الجمعة، 28 نوفمبر 2014

فشلت.. حتى في فشلي.

"أحياناً.. تنتهي القصة من حيثُ بدأت، و أنتهي أنا من حيثُ بدأت. لا شيء، صفرٌ على الشمال، بُقعة جغرافية مُهملة، و بقايا مشاعر خبّئناها جيداً في قلوبنا التي امتلئت بالمشاعر المترهّلة و المستهلكة، تلك التي أكل عليها الدهر و شرب. و التي كنّا نحفظها لنستخدمها يوماً ماً.. التي لم تجد شخصاً يُسمو بها.. و يبعثُ الحياة فيها. لتقبع هي الأُخرى في سلة المُهملات. مع بقية الأشياء الجنونية التي لطالما كنت أفكّر بفعلها، لطالما كُنت أُريد أن أقفز من جبل، أو طائرة، لطالما أردت أن أهرب، الى مكان ما، حيث يمكنني العيش مع كتبي و سجائري و أسراري فقط. حيث لا احد هُناك. أنا لطالما أردت أن ارحل الى اللامكان. او اللاشيء. لطالما أردت ان اهرب. لطالما أردت ان أعيش. أن يوافقني الحظ و لو قليلاً، ان أمارس الدهشة، كما كنت في السابق." 

هذا ما كان يدور في رأسه بعد أن وضع رأسه في حبل المشنقة. المكوّنة من مروحة السقف المُهترئة و ربطة عنق.
لم تكُن تلك المرّة الاولى التي يحاول فيها أن يؤذي نفسه. فقد ابتلع الكثير من الأقراص المنوّمة ذات مرّة. و الهلاوس بدأت تؤثّر في حياته بصورة كبيرة. فجأة.. ترجّل.. جلس، ارتدى ربطة العنق التي كان يحاول قتل نفسه بها، بيتهوفن كان يعزف، ثم وقف منتصباً كقائد.. و قال: سأُخبركم بشيء.. الأمور سيئة جداً كما تعملون، و الأشخاص الذين نحبهم لم يعودوا هُنا، الروتين القاتل. نفس الأوجه. نفس المشاعر. نفس التجارب. و نفس الأخطاء. فلمَ التظاهُر؟ بأن كل شيء على ما يُرام. لمَ التظاهر بأننا لا زلنا نكترث؟ لم لا زلنا عاقلين؟ لمَ لسنا مُحتجزين مع المجانين؟
عموماً، انا لا اريدكم. انا أريدها هي فقط، انا لطالما أردت انتشالها من منتصف كل الأشياء السيئة هذه. انا لطالما اردتها ان تكون مختلفة عن الجميع، بالنسبة لي على الأقل. لطالما توقّعت أن أكون شيئاً يصنع الفرق، ثم فشلت. سقطت. و لم اجد ذاك الشيء الذي كنت ابحث عنه. رحل الشخص الذي كان كالمرآة التي كنت أراني كاملاً لأول مرة عبرها. لطالما كنت ارى نفسي في المرأة بلا وجه، و أحياناً بلا ابتسامة. كان الامر سيئاً جداً في غيابها يا رفاق. انا لم أكن انا. ثمّ حاولت ان أتخلّص مني عدة مرات. ان اتخلّص من جسدي الهزيل النحيل هذا. و اترك كل شيء. لكنّي فشلت أيضاً. لطالما كنت فاشلاً في كل شيء. في فشلي. و في هزلي. و في جدّيتي. فما الفائدة؟ أين الحقيقة؟ و ما الغاية؟
..

ذاك الذي كان يتحدث. كان يعلم جيداً عن ما يتحدث. كان يعلم تفاصيل القضية. ديناميكية الوجود. سيناريو السقوط.. كان يعلم كل شيء. هو فقط لم يجد الطريقة المناسبة ليشرح ما كان يعرفه. فمظهره كان رثّاً، كثيف الشعر، كإنسان الغاب. بشعر طويل و ذقنٍ أشهب. عموماً.. هذه كانت مشكلة العصر، الجميع يتقاتل في تبجيل صاحب الكلمة الجميلة، دون اي تقدير للجمال في نفسه. بغض النظر عن من قاله او من كتبه. فالجميل جميل و لو قاله اللاشيء.
...

في مكان ما، فكرة ماتت، و فكرة خجولة، فكرة تحت ظلّ فكرة. و شخص يفكّر الف فكرة في الدقيقة. و شخصٌ يستغرق دقيقة كاملة ليصنع فكرة. هنا فكرة و هناك فكرة. أشخاص يفكّرون في تطوير الفكرة، و آخرون يفكّرون في هدمها. الدول فكرة. السياسات فكرة. حتى الكتابة. و الفلسفة والقانون. كلها تنشأ من فكرة. ابتكرها عقلٌ ضئيل كعقلك هذا تماماً. فلا تبخل على عقلك بفكرة. اجعله يعمل. يفكّر. لا تبخل على عقلك و نفسك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق