الأحد، 15 فبراير 2015

نكتب لنُصبح شتائم في فم العالم..

مثله أنا،
كالأشجار، سأموتُ واقفاً.*
..
للمحتجزين داخل مجتمعاتهم.. للذين يعيشون حياتهم وفقاً لمبادئ و معتقدات لم يكن لهم يد في اعتناقها..
للمتحجّرين.. الذين ستهب عليهم رياح العصر الجديد و تفتّتهم، تحملهم كالغبار.. و تنثرهم. 
للخائفين على أنفسهم من ظنّ الناس و حديثهم.. للذين ظلّوا طوال حياتهم يمشون بجانب الحائط.. للضعفاء جداً.. قليلي الحيلة.
للفارغين جداً.. الفضوليين جداً جداً.. الذين يحاولون أن يراقبوك، يضعون أعينهم عليك، يفسرون أفعالك و أقوالك، و يتحدّثون بلسانك! حتّى لا تدري، أنت لا تدري.. هل "هم" أنت؟! ألست لك وحدك؟
..

أما بعد،،
فما فات.. فات، و ماضينا لم يكن أبداً يمثّلنا. و لا حاضرنا كان يفعل.
مستقبلنا الذي كنا نجري في كف الأيام نحوه، متشوّقين له، ننتظره بكل لهفةٍ و حنين. كنّا نتمنى منه أن يخلع رداء الحزن هذا منه. فقد سئمناه و اعتدنا عليه، تعبنا منه، و صبرنا عليه كثيراً! 
مستقبلنا.. كان يمثلنا. أحلامنا تمثلنا.  تمثلنا أشياء كثيرة،
آمالنا.. خططنا التي كنّا ننوي القيام بها. الصدف و المواعيد. وعودنا التي قطعناها على أنفسنا. الأماكن التي كنّا نود أن نزورها. و الأوقات التي كنّا سنقضيها برفقة من نحب. كلها أشياء تمثلنا. في طريقها نحونا.. و نحن في انتظارها. بكل ما فينا من فراغ و صبر. ننتظر الفرصة التي كان عليها أن تقلب حيواتانا الصغيرة و التافهة هذه رأساً على عقب. الفرصة التي سترتفع بنا الى مستوى أعلى في مكانٍ أفضل. الفرصة التي ستجعل من أحلامنا واقع. نعيشه.


..
في أحلامي.. كان هناك وطن. و امرأة جميلة جداً.. كانت حبيبتي.
و في أحلامي كان هناك طفلة، تحبّ طفلاً. يهرب معها من المدرسة كل يوم. يشاركها أحلامه و العابه. و يبتاع لها بين الحين و الآخر قطعة حلوى.
كان أصغر من أن يخبرها أنه يحبها. و كانت أصغر من أن تفهم. كان يحبّها كأنها أمه. و يحنو عليها بعطف قلبه الصغير النقي ذاك. و كان كل شيء بخير.. حتى مالا نهاية.
في أحلامي. لم يكن على الأشياء الجميلة أن تنتهي. و لم يكن بوسعي تحمّل كل تلك المثالية. ربما لهذا لا أنام كثيراً. لا آكل كثيراً، و لم أعد أتعاطى العقاقير التي وصفها الطبيب، كان ذاك الوغد يكذب علي، و يظنني أبلهاً، يقول الطبيب أنني سأموت إن لم أنم، و أنا كانت تؤلمني أحلامي. و لا أحد هُناك ليفهمني. أخاف أن أُحتجز هُناك. و أخاف أن يُصبح مزاجي متحجّراً لدرجةٍ لا تقبل الرفض أبداً. ففي أحلامي.. كان كل شيء يسير كما نريده. و تلك الخاصية لم تكن تعمل في الواقع المرير هذا.
عموماً،، في أحلامي.. لم يكن واسيني أعرجاً، و لم يكن ديستويفسكي صديقي. أبلهاً، أرعناً، يُطارد النساء. و يضحك مثلي تماماً. 
كنّا نضحك كما كان يضحك موسوليني بعد حرق كل يهودي. تلك الضحكة المقززة، ضحكتنا الطويلة و المتقطّعة. و التي تنُم عن الكثير من الحقد و الشيزوفرينيا. لكن لا بأس، طالما في أحلامي لم يكن ماركيزُ يأتي الى الاجتماعات متأخراً. و يعلّل بأنه استغرق في النوم بعد ابتلاعه لثلاثين قرصاً منوماً. و أن ليلته كانت حزينة و طويلة. كانت كل ليالي ماركيز مشتاقة و باردة. لهذا كان مثلي.. يكتب.
..

نكتب لنُعيد التوازن لهذا العالم المختل. 
نكتب!.. لنُصبح شتائم في فم العالم.
نكتبُ لكي نبقى قليلاً بعد أن ننمحي و نكتبُ لأن أحدهم في أمس الحاجة لما نكتبه.
نكتب.. و نمسح. نمسح و نكتب..
نكتب،
لنضحك في وجه العالم الكئيب هذا،
و لنربّت على كتفه و نشاركه أحزانه بالكتابة.
نكتب.. لنمنح الحياة مقدرتها على التنفّس... و نكتب.
لنعرف أنفسنا، و نكتشف ذواتنا. لنتعمّق بداخلنا..
نحن نكتب لكي نجدنا.
و نكتب.. لأنفسنا، تقديراً لمشاعرنا، و حفظاً لذكرياتنا.
كنّا نكتب. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق