الجمعة، 22 مايو 2015

مشاهد .

1-

لم أكن اخرج من المنزل كثيراً،
كان من الجميل جداً البقاء معها.
تحت سقف واحد.

بينما كنّا جالسين عند المدفأة،
نحارب البرد معاً.
و نتشارك نفس الوشاح.
نقاتل الملل بالقبلات 
و قصص الطفولة..

سألت:
لم لست كباقي الرجال؟
لم تعد تزور الحانات،
و لا تلعب الورق مع أصدقائك.
لم يعد المقهى رفيقك.
و أظنّك تركت الجلوس على ضفاف النيل منذ مدة.
ما بك؟

 أجبت:
بالنسبة لي..
و كرجل يرى حبيبته.. عالمه الخاص. كونه الكبير. 
محيطه المقدّر له الغرق فيه..
غرفته الضيقة.. التي لا يرتاح في الكتابة الا بها.
كان علي أن اصبح هكذا..

قدومك كان كشيء.. لا يمكن وصفه.
تغيّرت المعايير لديّ، و زالت كل محاولات اندهاشي ببقية البشر.

انت شيء.. لا يمكن مقارنته بشيء.
أعني.. 

*يحرّك يديه على طريقة ستيف جوبز*

غيابك.. كان يطغى على حضور الجميع.
صمتك.. أجمل بكثيير من كلامهم.
و في حديثك.. كانت الحروف تنبعث من حنجرتك متأنّقة، متعطّرة.. مرتدية لون قلبك.
كما لو أنها خرجت لصلاة العيد.

و الجميع.. كانت أحرفهم قبيحة، 
مقززة و نتنة.
تنبعث منها رائحة النكران، و الحكم على البشر
رائحة الغدر،
رائحة التكرار و الملل . 

ابتسمت. 
قبّلتني مجدداً ثم قالت : 
أحبّك. 
فقط لأنك تراني بطريقة مختلفة .
تراني كما لم أرني من قبل!

و في الحقيقة لا أعلم أين كان الفرح يختبيء تحديداً،
لكنّها و عندما تحدّثت.. ابتسم الكلام،
شعر قلبي بالدفء.
و طارت الفراشات من ياقة قميصها..
ثم هربت
عبر المدفأة.


2-

كنت أظن المطر يعني حزن حبيبتي.

أمطرت يومها،
مع ان الخريف لم يحن بعد.
و لم تكن حبيبتي حزينة يومها .. ليبكي العالم.

كنّا يومها على الشرفة، 
نلعب باللوز و العنب..
و نحاول ابتكار الف طريقة يمكن للمرأة بها أن تقبّل زوجها.

توقّفنا عن العد عند الرقم تسعة، بعدها اصبح الامر فوضوياً بعض الشيء.

عموماً،
كعادتها.. كانت الجميلة تملي عليّ قصائدها عصر كل سبت، 
بعد أن أتخذ من حضنها وطناً،
و بعد أن أراني كما انا عليه حقاً.. في عينيها.
بعد أن اشعر بي.. بلقبها.

و قبل أن نهيم معاً،
في بحور الشعر.. و النقاشات الطويلة.
أيهما أفضل؟
زمانان أم بوكوفسكي؟
و قبل أن ينتهي النقاش 
بقبلة منك، تغيّرين بها رأيي.
مردداً.. بالطبع بوكوفسكي .


بدأت السماء بذرف دمعاتها الأولى.. 
عندها علمت أن العالم كائن معقّد مثلي،
قد يحزن و هو سعيد.
و قد يبكي من شدّة الفرح..
و ربما شيءٌ ما آخر كان يضايقه..

سألت سؤالاً شاعرياً :
- بصفتها كاتبة - 
ما الذي برأيك قد يدفع العالم للبكاء؟

أجبت:
لا أجد له سبباً سوى حزنك.
هل أنت حزينة؟

قالت: لا،
لكن
ما الذي قد يدفع العالم للبكاء؟

أجبت،
ربما بكى على قبلة لم تكتمل..
على نصّ مبتور..
على قصيدة  لن تَرى الضوء أبداً،

ربما بكى على رجل مات يافعاً و له صغار يطعمهم،
بكى للأطفال، 
بكى لكي تزهر الأرض ولا يجوعوا.

و ربما بكى.. لأن احدهم في مكان ما.. مات. 
فقط لأنه قال كلمة..
كلمة، تلقّى جزاء كل حرف قاله منها
رصاصة.

و أظنّه بكى.. على رجل كان مثلي،
لكنه فوّت فرصة أن يحب امرأة مثلك.


3-


قالت:
انت من طلبت الرحيل..
و انت من جاء حاملاً حقائب سفره معه.
كان حديثك يومها باهتاً على غير العادة.
و كان حضورك ممهّداً لغيابك.
أتيت بحديث مودّع .. خطّط للسفر منذ مدة.

أتوقّعت أن أدعك ترحل بهذه السهولة؟
أتظنّك هيناً لهذه الدرجة؟

ألم تعلم أني و في غيابك، سأختنق،
سأشتعل،
سأحترق،
و سأصيرُ رماداً 
تحرّكه رياح الحنين كيف تشاء.

في غيابك
سأنمحي، سأتلاشى.. 
و لن يبق مني سوى بقاياي 
تلك التي لا زالت عالقة بداخلك..

لم يكن عليّ أن أدعك تذهب..
كان عليّ أن أمسك بيدك..
و أقول..
لا داعي للغربة،
أعدك بأني سأكون لك وطناً.

لا داعي للتوّقف،
أعدك بأني سأكون لك أملاً في الوصول.
سأكون لك طريقاً و خطوة.

و إذا فرحت.. سأكون سبب فرحك،
سأكون ابتسامتك، و ضحكتك الطويلة.

سأكون شتائمك ساعة غضبك،
و حججك الواهية لحظة اعتذارك.

سأكون حديثك المعسول لحبيبتك،
و سأصير كعبارة عميقة ما.. التصقت برأسك.


المهم أن لا ترحل،
لا تذهب.
أرجوك.. لا تفعل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق