الجمعة، 19 أغسطس 2016

أحتفل..

بدأ اليوم بصورة كارثية، أعقابُ السجائر تملأ المكان، بعض الزجاجات الفارغة متناثرة على أرضية الغرفة.. ولا أذكر تحديداً ما الذي حدث ليلة البارحة..
أشعرُ بالسعادة و المنظر يوحي باحتفالات من نوع غريب.. من عدد الزجاجات التي أراها أمامي الآن.. أؤكد لكم أن الوغد كان البارحة في قمة سعادته .

لاشيء جديد، و لا أحد جديرٌ بالذكر.. 
كما كُنت دائماً.. وحدي.. أتجوّل في أنحاء الغرفة مرتدياً قميصِك المفضل، و أدخّنُ بشراهة..
أفكّر.. في الأشياء التي ربما سأتحدّث عنها و لا تتضمّنك. ابحث بعمقٍ عن قصص، لستِ أحد شخصياتها. أحاول.. رسم صورة واحدة.. لست جزءاً منها.
ابحثُ في نفسي.. عنّي، و عن مواقف مرّت عبري دون أن تأتي منك.
ابحثُ عن أفكار.. عن عبارات.. عن كلامٍ أنيق. يصف عجزي عن الصمت حالياً..

أريد أن أتحدث.. لكن ليس عنك. لطالما كنت أتحدث عنك..
هذه المرة، 
سأتحدّث عني، و عن قدرتي الهائلة في تضخيم الأمور التافهة. و جعل الأشياء التي لا تستحق.. تنال كل شيء. دون أدنى فكرة من الجميع.. كيف حدث هذا..

سأتحدّث عن تلميع الفكرة القديمة و المستهلكة.. لتلائم امرأة بحداثتك و جنونك و غرورك و استهتارك.

سأتحدّث عن الكتابة.. عن تفصيل رداءٍ يستر جسد أمنياتنا العاري. و يخبيء خيباتنا بعيداً عن شفقة الآخرين. 

سأتحدّث عن قدرة الكلمات على كسر الأشياء..
كسر الوعود، كسر الأحلام، كسر القلوب.. 
سأتحدّث عن قدرة الكلمات على عبور المسافات.. على تقريب الأحبة. و على مباعدة الأحزان.

سأتحدّث عن كل شيء..
كل شيء حرفياً..
تفاصيل وجه مدينتا الكهلة هذه
حاناتها، أرصفتها و مقاهيها.
و كيف أننا مشّطنا شوارعها، و طلينا أظافرها، ثم أعدناها كما كانت.. صبيّة، تتراقص نوافذها طرباً!

أريد أن أكتب. لكن الوهج الذي كان يصدر من قلمي.. اختفى برحيلك.
ما عاد مجازي يحرّك شعور أحد.. و ما عادت أحرُفي تُنصت لي.
لم يعد بإمكاني حشرُ الاهانة في بطن المديح.. و لا اهداء الشتائم في علب الإطراء.. 
بات كلامي واضحاً جداً.. مشاعري مبتذلة.. و كل الأشياء من حولي صارت تافهة الى الحد الذي يجعلني أتفادى الكتابة عنها..
بقايا رحيلك في كل مكان. كل شيء يوحي بغيابك..
كلما حاولت الهرب منك.. أجدُني أركض نحوك.. 
كل الطرقات تؤدي اليك.. 
لا مفر!!


أيامي -كلها- صارت تمر ببطيء، و كل المشاهد من حولي، تلحّ عليّ بالكتابة عنها..
كل الشخصيّات.. تمثّل دوراً ثانوياً في مسرحية هزلية.. غير مُضحكة بتاتاً!
لكنّ الجميع يضحك. الكل هُنَا يضحك.. الا انا.

انا لا انتمي الى هنا.. 

أغادر مسرح الحياة بهدوء.. أهربُ مسرعاً نحو غرفتي.. أوصد الباب جيداً.. أتأكد عبر النوافذ.. "لا أحد يتبعني!".. 
و اشرب.. 
اشرب للحد الذي يجعلني أنسى عدم انتمائي للوجود ككل. جرّب أن تعيش الحياة كنشاز. اصرّ مؤلف المقطوعة على وجوده.
اشربُ أحزاني.. ابتلع آلامي. و اتقيّا المسافات.. على فترات. الى أن تقتربي مني للحد الذي قد يمكنني من لمسك.. و لا ألمسُك.

ينتهي بي اليوم مرمياً في أحد زوايا الغرفة. و قد استهلكت كل ما بداخلي من مشاعر..

و أستيقظ في اليوم التالي.. بشعور رائع. رائع جداً.
و من عدد الزجاجات التي أراها أمامي.. أؤكد لكم أنني كنت. و في ليلة البارحة تحديداً.. أحتفل.

و هكذا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق